[ad_1]
من هنا, يقف القضاء في هذه اللحظة المزدحمة بالتحديات أمام خيارين, فإما أن يلتقط الفرصة ويبرهن لنفسه كما للبنانيين أنه يملك جرأة كسر المحظورات واقتحام إمبراطورية الفساد قبل أن يقع الانهيار الشامل ويلتهم الأخضر واليابس, وإما ان يفرط الجسم القضائي بتلك الفرصة التي تكاد تكون كل شروطها .
ومن المحسوم ان الانتصار في أي حرب ضد الفساد لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن القضاء حاضرا بعدته وعديده في الخطوط الأمامية, حيث لا مكان للحلول الوسط او لمحاولات تجهيل الفاعل كما يحصل في كثير من القضايا التي تدخل الى قصور العدل ولا تخرج منها إلا مطوية بحكم مرور الزمن ، أو مبتورة بفِعل التدخلات السياسية.
صحيح ان هناك بوادر إيجابية تلوح أحيانا نتيجة “مبادرات فردية” لقضاة شجعان يذهبون في الملفات حتى النهاية, لكن الصحيح أيضا ان المؤشرات السلبية كثيرة ولا تشجع على خوض مغامرة التفاؤل بل تحرض على طرح علامات الاستفهام والتعجب إزاء سلوكيات غير مبررة لبعض القضاة أو لمحيطين بهم ممن يصرفون النفوذ في خدمة مصالح فردية.
َ
المدعي المالي
وعلى المقلب الآخر من الصورة, يواصل المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم “انتفاضته” على الصرافين غير الشرعيين وأولئك المرخصين ممن يتلاعبون بسعر صرف الليرة امام الدولار الأميركي, ولا يتقيدون بالتعميم الذي سبق أن أصدره مصرف لبنان وحدد فيه سعر السوق ب 3200 ليرة.
وقد شكل توقيف نقيب الصرافين محمود مراد, ثم الادعاء عليه من قبل ابراهيم بتهمة مخالفة قانون النقد والتسليف والتلاعب بالدولار, إشارة واضحة إلى نية المدعي العام المالي الذهاب حتى أقصى الحدود في ملاحقة “خلايا” الصيرفة التي تعبث بقيمة العملة الوطنية لمكاسب شخصية, من دون تجاهل تأثير العوامل الاقتصادية والمالية في تراجع تلك القيمة.
ويقول القاضي ابراهيم ل “الجمهورية” انه ادعى على نقيب الصرافين بعد ثبوت مساهمته في التلاعب بسعر الدولار, لافتا الى انه لم يقدم تبريرات مقنعة ردا على التهم التي وجهت اليه, ومؤكدا ان القرار بتوقيفه والادعاء عليه أتى استنادا الى الوقائع وبعيدا من الانفعال والتسرع ” إذ ان المسألة تتعلق بنقيب وليس بصراف عادي, ولذلك كنت حريصا على مقاربتها بدقة عالية, لكن وبكل مرارة وأسف, تبين ان موقعه المسؤول لم يمنعه من أن يفعل ما فعله “.
ويوضح ان أحدا من السياسيين لم يضغط او يتدخل لإطلاق مراد او اي من الصرافين الذين جرى توقيفهم, مشددا على أن الحملة ضد المتلاعبين بالدولار ستتواصل بحزم وبلا هوادة في كل المناطق, “ونحن نتابع عملنا يوميا, ولن نتوقف عن ملاحقة كل صراف مخالف, سواء كان مرخّصاً ام لا “، مشيداً بالجهود التي تبذلها على هذا الصعيد الأجهزة الامنية المختصة.
ويوضح انه يتم التشدد في التعامل مع الصرافين غير المرخصين لكونهم يرتكبون جرمي التلاعب بالدولار ومزاولة المهنة بطريقة مخالفة للقانون في آن واحد, بينما يجري التعاطي بشدة أقل نسبيا مع الصرافين المرخصين لأن جرمهم اقل فداحة في اعتبارهم شرعيين.
ويلفت ابراهيم الى ان جزءا من أسباب الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار يعود إلى مضاربة غير مشروعة, وبالتالي “نأمل في أن تفضي الحملة التي ننفذها الى تخفيض نسبي للسعر وضبطه عند السقف الموضوعي الذي يجب أن يكون عليه, من دون أن يلغي ذلك أن جانبا من هذا الارتفاع يرتبط بالعوامل الاقتصادية والمالية, “إنما ما يعنيني أنا, انطلاقا من دوري ومسؤولياتي, هو وقف المضاربات والتلاعب في السوق, ولذلك أشتغل شغلي بمعزل عن أثر الجوانب الأخرى”.
ويشدد على أنه سيواصل الخوض في ملفات الفساد التي تقع ضمن نطاق صلاحياته واختصاصه, من دون التوقف عند أي اعتبارات سياسية, “وأساسا لم تتراجع عزيمتي في اي وقت كي أندفع الآن مجددا, بل أنا مستمر في تأدية واجبي على الوتيرة نفسها من التصميم والارادة, لكن ما حصل خلال الفترة الماضية هو ان مقتضيات الوقاية من كورورنا أدت الى تقييد حركتنا بعض الشيء وتأجيل عدد من الجلسات, ونتمنى ألا يعاود هذا الفيروس من جديد انتشاره حتى نستطيع إنجاز المهام الملقاة على عاتقنا وإحقاق الحق “مؤكدا ان لا تهاون بتاتا في هذا المجال” .